خطة ترامب لإنقاذ الكيان وتصفية القضية الفلسطينية
بقلم: د. حسن نافعه*
الخطة المقترحة من ترامب لوضع نهاية للحرب في غزة هي خطة أميركية-إسرائيلية، رغم أنها رسمياً تحمل اسمه وحده. صحيح أن مسودتها الأولية أعدّت في المطبخ الأميركي، لكن الكيان الصهيوني هو الطرف الوحيد من بين جميع حلفاء أميركا في المنطقة الذي منح حقاً حصرياً في مناقشة بنودها، وفي المشاركة الفعلية في صياغة مسودتها النهائية، بدليل أن الإعلان عنها تم في أعقاب لقاء جمع بين ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض، وفي ختام مؤتمر صحفي اقتصر عليهما.
صحيح أنه سبق لترامب أن اجتمع بقيادات من دول عربية وإسلامية عدة على هامش الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، غير أنه لم يكن لدى أي من هذه القيادات علم مسبق بتفاصيل الخطة التي كان يعكف على إعدادها مع مساعديه، واقتصر هذا الاجتماع على مناقشة أفكار عامة كان يعلم مسبقاً أنها تحظى بتأييدهم، ما يفسر سعادتهم بموافقته على التخلي عن فكرة التهجير القسري لسكان القطاع، وتأكيده أنه لن يسمح للكيان بضم الضفة الغربية، وتجاوبهم معه في العديد مما طرح من أفكار حول تشكيل الحكومة التي ستتولى إدارة قطاع غزة خلال المرحلة الانتقالية، وكذلك حول تشكيل “مجلس السلام” الذي سيتولى توجيه هذه الحكومة والإشراف عليها.
لكن، تجدر ملاحظة أن الكيان الصهيوني سعى بكل قوته للحيلولة دون تمكين أي طرف فلسطيني من الاطلاع على هذه الخطة قبل إعلانها رسمياً، ناهيك بالمشاركة في صياغتها، وليس أمام ممثلي الشعب الفلسطيني، سواء من ينتمي منهم إلى سلطة رام الله أو إلى فصائل المقاومة، سوى قبولها كما هي أو رفضها كما هي، ما ينطوي على ظلم فادح لشعب يعاني منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن من احتلال أراضيه وانتهاك حقوقه الوطنية، ما يعني أن الخيار الوحيد المطروح أمامه هو الانصياع لإرادة الغير في كل ما يتعلق بتقرير مصيره ومستقبله، وهو خيار لا عدل فيه على الإطلاق.
تضمنت خطة ترامب مثالب كثيرة، أخطرها أنها تبنّت رؤية إسرائيلية تدّعي أن ما يحدث في قطاع غزة منذ عامين، هو نتيجة منطقية وردة فعل طبيعية على ما قامت به حماس يوم 7/10/2023، وبالتالي له ما يبرره، وعلى حماس وحدها تحمّل كل ما ينجم عنه من مسؤولية، وهي رؤية تتجاهل كل ما ارتكبته “إسرائيل” من فظائع. فقد أصدرت محكمة العدل الدولية أوامر لـ”إسرائيل” كي تتخذ إجراءات تنفي بها شبهة القيام بأعمال إبادة جماعية، لكنها لم تنصَع لهذه الأوامر، وأصدر العلماء المتخصصون في الإبادة الجماعية والعديد من المنظمات الحقوقية المشهود لها بالحياد والنزاهة بيانات وتقارير عديدة تؤكد أن ما تقوم به يشكل جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، غير أن “إسرائيل” لم تلتفت إلى هذه التقارير والبيانات.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال في حق كل من بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء “إسرائيل”، ويوآف غالانت، وزير دفاعه السابق، بعد توفر أدلة عديدة على ارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، غير أن “إسرائيل” لم تعر هذه الأوامر أي اهتمام.
ورغم ذلك كله، تعاملت “خطة ترامب” مع ما جرى في قطاع غزة باعتباره المصدر الرئيس للتطرف والإرهاب، واعتبرت أن هدفها الرئيسي يجب أن ينحصر في “إخلاء غزة من التطرف والإرهاب وضمان ألا تشكل تهديداً لجيرانها”، وهو ما تضمنه البند الأول من خطة ترامب التي تجاهلت كل ما أقدمت عليه “إسرائيل” من انتهاكات صارخة لقواعد القانون الدولي الإنساني، حين أقدمت على تدمير قطاع غزة بالكامل، بكل ما يحتويه من مدارس ومستشفيات ومرافق عامة، وحوّلته إلى مكان غير قابل للحياة، وحين قتلت وجرحت وتسببت في اختفاء ما يقرب من ربع مليون نسمة، أي ما يعادل 10 % من إجمالي سكان قطاع غزة، معظمهم من الأطفال والنساء، وحين تعمّدت تجويع وتشريد ومطاردة ما تبقى منهم، وحين حوّلت مراكز توزيع المعونات إلى “مصائد للموت”، بينما كان يجب أن تتضمن خطة ترامب، على الأقل، تشكيل لجنة دولية للتحقيق في ما جرى، سواء إبان عملية “طوفان الأقصى” نفسها أو إبان حرب الإبادة التي شنتها “إسرائيل” على القطاع.
وتأسيساً على هذه الرؤية المنحازة بالمطلق إلى “إسرائيل”، راحت “خطة ترامب” تنسج خيوط ما تقترحه من ألوان الحركة والنشاط، بدءاً بنزع سلاح حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية، وانتهاء بتشكيل حكومة مؤقتة تعمل تحت إشراف “مجلس سلام” يقوده ترامب بنفسه ويضم في عضويته توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، مروراً بتفكيك مصانع الذخيرة والسلاح وتدمير شبكة الأنفاق المقامة تحت الأرض، بينما تجاهلت تماماً الحقوق المتعلقة بالشعب الفلسطيني، خصوصاً ما يمس منها حقه في تقرير مصيره وفي إقامة دولته المستقلة.
*أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة.